في نعي تلميذي محمد الوردي

هشام قاسمي ـ أستاذ اللغة الإنجليزية

في غفلة منا جميعا، توفي يوم 16 مارس واحد من أفضل تلامذتي. درسته لثلاث سنوات متتالية وهذه السنة كان يدرس عندي في قسم الثانية بكالوريا علوم شرعية، مثال للحياء والطيبوبة

أكثر ما هز كياني في موته أنه علم باقتراب الموت فقضى آخر أسبوع من حياته يكتب قصائد شكر لزملائه وأساتذته. فرحنا جميعا بقصائده وبادلناه الشكر تصفيقا وثناأ لكننا لم ندرك أنها قصائد وداع وأن المرحوم محمد الوردي أحس بملك الموت يحوم حوله والقبر يستعد لاحتضانه

زوال الاثنين 16 ذهب لزيارة عمته أخبرها أنه اشتاق لها. طلب إذنها ليستلقي قليلا فمات في غفوته

هكذا كان الوردي طيب الفؤاد جميل المحيا سهل المعشر، عاش هادئا فمات في هدوء. سبحان من أوحى له باقتراب الموت ومكنه من توديع الأحبة. عزائنا في فراقه أننا لم نرى منه إلا كل خير وأشهد الله أنه كان شخصا رائعا

في حصة الجمعة 6 مارس طلب مني المرحوم منحه دقيقة ليقرأ قصيدة كتبها لزميلة تدرس معه، تعاملت مع الطلب بسخرية وقلت له أهي قصيدة حب؟ فمن أعز الاشياء علي قلبي هي أن أحرج المرحوم فقد كان على درجة عالية من الاستحياء بحيث عندما يخجل ينظر للأرض وتعتلي محياه حمرة لاتخطئها العين ليطلق العنان لضحكة سخيفة نضحك لأثرها جميعا. قام أمام التلاميذ وقرأ القصيدة فكانت تحية وتقدير لتلك التلميذة لأنها تجرعت مرار الفقدان مرتين. مات أبوها السنة الماضية ولحقت به أمها قبل حوالي الشهر لكن الفتاة تقبلت القدر بكل صبر وجلد وعادت للقسم بكل حيوية ونشاط. في نهاية تلك الحصة طلبت من التلاميذ أن يرددوا جميعا ( الصلاة والسلام على رسول الله) وهي التحية التي نحيي بها العريس لأن الوردي كان يرتدي جلبابا جميلا فظهر بمظهر العريس ومن جديد خجل الوردي فاستحيى وابتسم وضحكنا لابتسامته. هكذا كان الوردي رحمة الله عليه طيب الفؤاد يقدر في الناس خيرهم ويبتعد عن شرهم

في حصة الاثنين 9 مارس طلب مني مجددا تخصيص بعض الوقت ليقرأ قصيدة فكان له ذلك. القصيدة كانت رسالة شكر للقسم. تضمنت القصيدة أسماء جميع التلاميذ وتغنت بصفات كل واحد منهم. فتلاميذ هذا القسم قضوا مع بعضهم ثلاث سنوات متتالية لدرجة اصبحوا يعرفون بعضهم جيدا. عند الانتهاء علق أحدهم أن القصيدة لم تتضمن اسمي فأجاب المرحوم بأنه سيخصص قصيدة خاصة لي

في حصة الجمعة 13 مارس قام المرحوم في آخر الحصة وقرأ القصيدة كانت كلها تعبير عن الحب والاحترام وألقاها المرحوم بابتسامته التي لاتفرق محياه. شكرت حسن صنيعه ثم طلبت منه أن يكتبها في ورقة ويجلبها لي لاحتفظ بها أجاب حاضر أستاذ ثم انصرف، فكانت تلك آخر كلماتي معه وآخر لقاء يجمعني به

رحمك الله يا محمد الوردي وأسكنك فسيح الجنان ورزقنا وأهلك الصبر على فراقك وجعل لنا في موتك عبرة وآية عسى تتقي القلوب وتدرك العقول أن الموت لايطلب موعدا وأن كل لحظة هي لحظة وداع وأن العاقل من ترك أثرا جميلا واستغل أيامه في طاعة الله

سمعت يوما أن قيمة الشيء تتحدد بنقيضه فلن تدرك قيمة الخير قبل أن يمسك الشر ولن تدرك قيمة العافية قبل أ ن تتذوق السقم ولن تدرك قيمة الأحبة قبل أن تتجرع الفراق وقبل أن يخطف الموت منك أحدهم.

International Morocco
International Morocco
Articles: 647

One comment

  1. احسنت نعيًا أستاذ هشام،
    حفظك الله ورعاك ولا ارانا فيك مكروها.
    ورحم الله الفقيد و الهم أهله الصبر و السلوان.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *